الحدود السورية اللبنانية- بوابة تهديدات إقليمية واستراتيجية ملحة

المؤلف: رامي الخليفة العلي10.02.2025
الحدود السورية اللبنانية- بوابة تهديدات إقليمية واستراتيجية ملحة

تُمثّل الحدود الغربية لسوريا مع لبنان خاصرةً ضعيفةً، ومَعبراً مُتاحاً لتهديداتٍ عظيمةٍ لا تقتصر على سوريا وحدها، بل تُشكّل خطراً جَسيماً على أمن المنطقة واستقرارها بشكلٍ كامل. هذه الحدود، الممتدة على مساحاتٍ واسعةٍ من التضاريس الجبلية الوعرة والقرى المتباعدة، أصبحت على مرّ العصور مَمراً حيوياً لاختراق أمن سوريا، وتهديد استقرار دول المنطقة بأكملها. وفي هذه المنطقة الحساسة، قبل سقوط النظام، لم يقتصر الخطر على مُجرّد عبور الأسلحة من العراق نحو لبنان عبر الأراضي السورية فحسب، بل تحوّل هذا الشريط الحدودي إلى نُقطة ارتكاز أساسية لعمليات حزب الله والميليشيات التابعة له، ممّا زاد من نفوذ هذه القوى وعزّز من قدرتها على المناورة وتهديد أمن الدول المجاورة. لقد توسّع نشاط هذه الجماعات بصورةٍ مُمنهجةٍ ومُتصاعدة، فأنشأت شبكات تهريب نشطة شملت الأسلحة والمواد المحظورة والمخدرات، وفي طليعتها حبوب الكبتاغون المُخدرة، بالإضافة إلى التجارة غير المشروعة بكل أنواعها، مما أدى إلى تفاقم خطورة المنطقة وتسبّب في انتشار الفوضى وتغذية الاضطرابات الأمنية، وجعل من المنطقة مأوى آمناً للجريمة المنظمة بجميع أشكالها وأنواعها. لم يكن النظام السوري وحده من استغل هذه المنطقة لتحقيق أهدافه وغاياته، بل تحوّلت إلى ساحة عمليات استراتيجية لثلاثة قوى تُشكّل تهديداً بالغاً: حزب الله، والحرس الثوري الإيراني، والفرقة الرابعة التابعة لنظام بشار الأسد تحت قيادة ماهر الأسد إضافة إلى نوح زعيتر وهو أشهر تاجر مخدرات في منطقة الشرق الأوسط، جميع هؤلاء استغلوا غياب الرقابة وتراجع السيطرة على الحدود، لإنشاء شبكات مُعقّدة تعمل بأسلوب العصابات وتستثمر في الفساد والإرهاب، مُهدّدةً بذلك وحدة الأراضي السورية وأمن لبنان والمنطقة ككل. وبعد تضعضع نظام بشار الأسد، وجد حزب الله والحرس الثوري أنفسهم مُضطرين للتراجع نحو الأراضي اللبنانية، لكنهم حافظوا على قدرتهم على العودة والتحرّك، مُعتمدين على شبكة من العلاقات القوية مع العشائر والقوى المحلية التي مارست التهريب والجريمة على مدى سنواتٍ طوال. وعلى الرغم من اهتزاز نظام بشار الأسد فقد بقيت آثار سيطرتهم السابقة واضحةً في مظاهر العنف وانتشار تجارة الممنوعات، بل وتحوّلت إلى خطر مُستمر ظهرت بوادره بوضوح خلال الأحداث الأمنية الأخيرة في الساحل السوري، والتي انطلقت من منطقة الهرمل اللبنانية، وتقدّم عناصر تتبع لحزب الله بشكل مباشر أو غير مباشر وقتل جنود سوريين يشير إلى ازدياد خطر الحدود مع لبنان، حيث لا تزال الدولة اللبنانية للأسف الشديد قاصرةً عن فرض سلطتها وسيادة القانون بسبب التعقيدات السياسية والطائفية المتجذرة. إنّ السيطرة التامة على هذه المنطقة أصبحت ضرورة أمنية وإستراتيجية مُلحة، لا تتحقّق إلا بتعزيز قدرات الجيش السوري وتمكينه، وتزويده بالإمكانيات الضرورية التي تُمكّنه من فرض سلطته وهيبته واستعادة الأمن والاستقرار. كما أنّ تطبيق حلول تقنية حديثة من مُراقبة دقيقة ورصد مُستمر، واعتماد أنظمة مُتطورة لضبط الحدود وإحكام السيطرة عليها، بات أمراً حتمياً لا مفرّ منه من أجل إغلاق هذا المعبر الذي لا يزال مفتوحاً أمام كل أشكال التهديدات. وبخلاف ذلك، ستظل هذه الحدود منفذاً مُشرعاً تعبر من خلاله المخاطر والتهديدات، وتنذر بتفاقم الأزمة في سوريا والمنطقة بأسرها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة